الرئيسية
المقاومة
الحياة الإجتماعية
الشتات
إقتصاد وسياسة
الثقافة
إسرائيل
X
كل الكلمات
أي كلمة
الكاتب
من تاريخ
إلى تاريخ
الحيـاة فـي عكــا
شارع عند بحر عكا.
حسن أبو رقبة
|
تموز 2012
الذكريات جزء من التاريخ الشخصي وأحياناً العام، ومجموع الذكريات هي تاريخ الوطن، بما فيها من أزهار وأشواك. ونبدأ بالولادة في عكا فلسطين في 28/1/1929، وبالدراسة عند الخوجة حُسُن في حي القلعة داخل الأسوار، ثم عند الراهبة مَرتا في كنيسة اللاتين، ثم الدراسة الابتدائية والإعدادية في مدارس الحكومة.
كان الأستاذ محمد الأمين مدير المدرسة الابتدائية قوي الشخصية. ويشرف أيضاً على بيت الطلبة الداخليين فوق السور وخان الشاوردة، أما مدير الإعدادية فكان الأستاذ سامي عيد من بعقلين في لبنان، خريج الجامعة الأميركية، وهو قوي الجسم، حازم في الإدارة. وكان معهما مجموعة من الأساتذة منهم: محمود الشلبي، عبد الرحمن قباني، الشاعر ناصر عيسى، أمين موافي، رفيق اللبابيدي، الشيخ موسى طبري، عبد الله حسون، محمد النحوي، محمد صادق رستم، وغيرهم، والمدارس الابتدائية جميعها داخل الأسوار.
مقاهٍ وأعياد وفنون
والدي كان يملك حصة في قهوة أبو رقبة في ساحة الليمان ـ ساحة المدينة القديمة الرئيسية، وبيتنا في حي القلعة كان يضم العائلة الكبيرة كلها. وقبيل الحرب العالمية الثانية بنى عمي الحاج عبد اللطيف بناية في عكا الجديدة خارج الأسوار وقرب حديقة البلدية، وخلال الحرب سكنها أفراد العائلة جميعاً.
أذكر في عكا سينما رويال وسينما البرج داخل الأسوار وسينما الأهلي في عكا الجديدة. كما أذكر احتفالات عكا بعيد المولد النبوي حيث يتوافد أهالي القرى المجاورة مع شعرائهم ليحتفلوا مع أهالي عكا بالدبكة والسيف والترس، وكانت المدينة تتزين بالأعلام الفلسطينية وفرق كشافة نادي أسامة وكشافة النادي الأرثوذكسي وكشافة النادي القومي تطوف الشوارع احتفالاً، وكذلك أبناء الطرق الصوفية براياتهم وصنوجهم، وتعيش عكا ثلاثة أيام في عيد كبير متواصل.
أما الأعياد الدينية الأخرى فكانت تجد أيضاً عناية كبيرة، وأهم ما أذكره هنا أن كشافة نادي أسامة كانوا يشكلون طوق حراسة في كنيسة ساحة عبود أثناء صلاة عيد الميلاد تضامناً مع الإخوة المسيحيين، كما أن كشافة النادي الأرثوذكسي كانوا يشكلون حراسة لجامع الجزار وغيره في أثناء صلاة عيدي الأضحى والفطر، تضامناً وتأكيداً للوحدة الوطنية.
أما باقي الجمهور فيقضي الأعياد في حديقة البلدية مع الطعام والأراكيل، أو في منطقة مقبرة النبي صالح أو في المقبرة الإسلامية شرق المدينة حيث تُنصب المراجيح في ساحتها السفلية قرب طريق عكا ـ حيفا، وبقربها الشحّوظة التي يقصدها المعيدون مشياً أو على ظهور الحمير للنزهة وتناول الخس والتوت، وبعد الشحّوظة تل نابليون أو تل الفخار الذي كان مقصداً أيضاً للمشاة حيث يتناولون أطيب خس، وخضاراً أخرى مثل الفول الأخضر والحَبلّق.
أما عصراً فكان الشاطئ الغربي يستقبل المتنزهين، فتجلس النسوة على الصخور ورمال الشاطئ يتنعمن بجمال المياه وأمواج البحر الخفيفة في حين يتنزه الرجال والشبان على الشارع الغربي المطل على مجلس النساء، ويتناثر الباعة على الشارع والشاطئ معاً. أذكر في عكا تعدد المقاهي، ومنها مقهى البحر قرب ميناء عكا، وكان بعهدة عمي الحاج عبد اللطيف وإلى جانبه حمام البحر الوحيد وهو بعهدته أيضاً، وكانت تقام حفلات متعددة في مقهى البحر ليلاً للملاكمة وللتمثيل، حيث تعرض الفرق الأجنبية وخاصة المصرية مسرحياتها، وأذكر منها مسرحية فؤاد الجزائرلي (بحبح) وحفلة الملاكمة مع الدببة وفيما بينها، وهناك حوالي عشرة مقاه أخرى موزعة في داخل الأسوار. أما خارج السور فكانت توجد مقاهي حابو وغرناطة وحديقة البلدية. وهناك سينما (البرج) فوق السور الجنوبي. أما سينما رويال المجاورة لمقهى البحر فكانت تعرض الأفلام العربية والأجنبية الصامتة، ثم جاءت الأفلام المتكلمة. كما كانت تقام حفلات غنائية هناك أذكر من بطلاتها المطربة فتحية أحمد والمطربة نازك. وكان في عكا خارج السور سينما الأهلي، وهي أحدث دور السينما، وأقيمت فيها عدة حفلات غنائية لفريد الأطرش ومحمد الكحلاوي وغيرهما، وكان عمي الحاج يتعهد معظم أفلام عبد الوهاب وفريد الأطرش فيها. وفي الأعياد كان بعض المتنزهين يزورون حديقة البهجة لعائلة بيضون شمال عكا، وقصر العجم مدفن البهاء ومزار البهائيين قرب الحديقة.
كان النشاط الثقافي والكشفي والرياضي متميزاً في عكا آنذاك، ويمثله نادي أسامة والنادي الأرثوذكسي والنادي القومي بالدرجة الأولى، إلى جانب عدة نواد وفرق رياضية مثل نادي عمر ونادي الروضة. في تلك السن المبكرة كانت تدهشني بعض التقاليد والمشاهد منها: احتفال عكا الديني بعيد المولد النبوي في جامع الجزار حيث أجلس إلى جانب أصدقائي أو عائلتي على سجاد الجامع نستمع للمولد ثم نقبّل الشعرة الشريفة التي يمررها على المصلين الشيخ سعدو قيّم الجامع، ثم تُرش علينا العطور، وبعدها نستلم هدايا الملبس التي توزع على الجميع. وهناك احتفال عكا بتوديع الحجاج الذي كان يحضره معظم أهل المدينة، فيجتمع الحجاج في جامع الجزار بملابس الإحرام البيضاء حيث تجري قراءة القرآن والمولد النبوي وتلاوة الأناشيد، ثم يتوجه الجميع سيراً باتجاه البوابة الشرقية ترافقهم جموع أهل عكا مع فرق المتصوفين براياتهم العالية وصنوجهم، وبعض كشافة المدينة وشيوخها حتى الوصول إلى محطة سكة الحديد، حيث ينقلهم القطار باتجاه حيفا، ثم السعودية. وأذكر أيضاً بشكل خاص جماعة الإحسان في عكا ويشترك فيها رجالات المدينة، وشعارها (العكاوي لا يشحذ والغريب لا ينقطع) فكانوا يجمعون التبرعات بأنفسهم أيام العطل والأعياد ويوزعونها بانتظام على المحتاجين كالعائلات المستورة والسجناء المطلق سراحهم وغيرهم. وأذكر أيضاً صلاة التراويح في رمضان، ثم حلقات الذكر في بعض الجوامع، ومنها الجامع الزيتوني بقيادة الشيخ محمود اللبابيدي، وكذلك التسابق إلى أداء صلاة الفجر في جامع الجزار ثم زيارة المقابر قبل العودة إلى مكتبة الجامع للدراسة. وفي نهاية كل سنة كان يقام مهرجان رياضي في عكا لجميع مدارس الجليل وحيفا على أرض ملعب «الفرقة» يُعدها ويشرف على تنفيذها المديران سامي العيد ومحمد الأمين مع أستاذ الرياضة محمود شلبي وبقية المعلمين. لا بد من ذكر شهرة عكا بالأسماك وكذلك بالحلويات التي برع فيها أبو صلاح سعد الدين وأبناء ضيف الله وخاصة في الأعياد الإسلامية والمسيحية. وفي منتصف شعبان حيث تقدم حلويات نصف شعبان الخاصة، وهي من اليقطين والقرع وبأشكال عديدة جذابة يتم بيعها بالجملة والمفرق إلى القرى المجاورة وإلى السكان إضافة إلى الكنافة والبقلاوة وحلاوة الجبن والشعيبيات والسحلب والعوامات والمشبك والمدلوقة وغيرها.
التظاهرات الوطنية
في المناسبات الوطنية كوعد بلفور كانت المظاهرات الشعبية والطلابية تجوب شوارع المدينة، وأذكر اشتراكي صغيراً في عدة مظاهرات، وكذلك أذكر أن سجن عكا كان مخصصاً لتنفيذ أحكام الإعدام بالمجاهدين كل يوم ثلاثاء وخاصة خلال ثورة فلسطين الكبرى 1936 ـ 1939 ولا تغيب عن ذاكرتي جنازة الشهيد فخري الجاك مرقة وكان عاملاً في أحد الكاراجات ويتنقل بالسيارة بين بيروت وعكا، وقد كُلف بتهريب بعض الأسلحة حيث ألقي القبض عليه وحُكم بالإعدام، ونُفذ الحكم وتسلمت الجماهير جثمانه، وشيّعته في جنازة لم أشهد مثلها من قبل، حيث خرج أبناء المدينة والقرى المجاورة لتشييعه مع فرق الكشافة المسيحية والإسلامية ورجال الدين الإسلامي والمسيحي حيث حمل هؤلاء البساط الأحمر في مقدمة الجنازة تكريماً للشهيد، وكان البوليس البريطاني يواكب الجنازة عن بُعد دون أن يتصدى لها، وبالفعل كانت جنازة تليق بالشهداء.
وفي الوقت نفسه أذكر أن قتل الخونة من الجواسيس وسماسرة بيع الأراضي كان يجري بين حين وآخر، وكان القتيل من هؤلاء يُنقل على ظهر (طمبر) يجرها حمار يرافقها الأطفال بقولهم (الخائن نجّس الطمبر) حتى المقبرة حيث يتم دفنه خارجها تحقيراً له.
ومما أذكره عن تلك الثورة قرارات منع التجول التي تفرضها سلطة الانتداب البريطانية فتُغلق الأسواق كلها وتحبس الناس في بيوتهم عقاباً لأصحابها، كما أذكر ما حدث إثر مقتل أحد المتهمين بالتعامل مع الإنكليز في ساحة اللومان حيث أعلن منع التجول وتم تكسير زجاج ومحتويات المقاهي الثلاثة في ساحة اللومان الرئيسية ومنها قهوتنا.
وأحياناً كنا كالأطفال نضع على رؤوسنا ما يشبه الخوذة، فهي صحن نحاسي برباط مطاطي لوقاية الرأس عندما نتوجه لإلقاء الأحجار على الدوريات الإنكليزية في شوارع عكا، كما أذكر بعد ذلك إنشاء فرقة السلام الفلسطينية التابعة للمعارضة والشيخ أسعد الشقيري المتفاهمة مع بريطانيا، وكان أفراد هذه الفرقة يرتدون الطربوش الأحمر، نكاية بقرار قيادة الثورة لجميع السكان بارتداء الكوفية والعقال حماية للفلاحين الثوار من تمييزهم عن غيرهم عند حضورهم إلى المدن الفلسطينية، وقد التزم جميع السكان بأوامر القيادة قبل ظهور فرقة السلام المذكورة العاملة مع الإنكليز والمجهزة بأسلحة منهم.
وأذكر في الحرب العالمية الثانية قيام الطيران الألماني بقصف مخزن استراتيجي للبنزين للجيش البريطاني في عكا شرق حديقة البلدية وعلى طريق حيفا ـ صيدا مما أشعل حريقاً كبيراً اضطرنا للنزوح مؤقتاً من منزلنا القريب، احتياطاً وخوفاً من امتداده. كما شملت نفس الغارة إلقاء قنبلة طائرة من النوع الثقيل جداً أصابت قسماً من منزل قريبنا أحمد أبو رقبة شمال عكا، وهو المنزل الذي استضاف فيه في ما بعد الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي كان آنذاك لاجئاً سياسياً في القاهرة.
راجع: أزهار وأشواك: مذكرات ضابط فلسطيني، بيروت 2010.
Tweet
إقــرأ أيضــا مــن: عدد
تموز 2012
الثقافة والفن: تشكيل ملامح الحزن
رشا حلوة
«مشكلة لاجئين» بدلاً من «حق...
أنطـوان شلحـت
Please enable JavaScript to view the
comments powered by Disqus.
comments powered by
Disqus
إقرأ للكاتب نفسه
دورة قطنا للضباط الفلسطينيين
تموز 2011
الأكثر قراءة
في الملحق
في الموقع
بصمت، إسرائيل تنفذ مشروع E1: لا دولتين ...
عبد الرؤوف أرناؤوط - آذار 2016
عن فتية السكاكين والصبايا المنذورات ...
طلال سلمان - آذار 2016
"السفير" تحاور عمر البرغوثي "المقاطعة" ...
عماد الرجبي - آذار 2016
ما زالت الروزنامة تتسع لمناسباتٍ جديدة
خالد فرّاج - آذار 2016
"عمر" يتسبّب بفصل المربّي علي مواسي: ...
رشا حلوة - آذار 2016
الأكثر مشاركة
في الملحق
في الموقع
كيف سقطت يافا؟ قصّةٌ تروى!
أنس أبو عرقوب - أيار 2016
بصمت، إسرائيل تنفذ مشروع E1: لا دولتين...
عبد الرؤوف أرناؤوط - آذار 2016
عن فتية السكاكين والصبايا المنذورات...
طلال سلمان - آذار 2016
"السفير" تحاور عمر البرغوثي "المقاطعة"...
عماد الرجبي - آذار 2016
المشروع الوطني الفلسطيني: أزمة الرؤية...
رازي نابلسي - آذار 2016
إخترنا لكم
"عمر" يتسبّب بفصل المربّي علي مواسي:...
رشا حلوة - آذار 2016
"السفير" تحاور عمر البرغوثي "المقاطعة"...
عماد الرجبي - آذار 2016
رحلة عبّود من غزّة إلى تركيا
طه يونس - آذار 2016
بصمت، إسرائيل تنفذ مشروع E1: لا دولتين...
عبد الرؤوف أرناؤوط - آذار 2016
نشرة آذار - 2016
ملاك خليل - آذار 2016
الأرشـيف
بحسب
التوزيع الجعرافي
:
فلسطين،
العالم،
غــزّة،
الضفة الغربية،
أراضي 48،
لبنان،
حيفا،
القدس،
رام الله،
نابلس،
بريطانيا،
كنــدا،
المغرب،
أميركا،
سوريا،
الأردن،
عكّـا،
المزيد ...
بحسب
المواضيع
:
المقاومة،
إسرائيل،
الثقافة،
الحياة الاجتماعية،
الأسرى،
المقاطعة،
إقتصاد وسياسة،
الشتات،
المخيمات،
سياسة،
المزيد ...
بحسب
الأعــداد
:
آذار 2016
شباط 2016
كانون الثاني 2016
كانون الاول 2015
تشرين الثاني 2015
أكتوبر 2015
أيلول 2015
آب 2015
تموز 2015
حزيران 2015
أيار 2015
نيسان 2015
آذار 2015
شباط 2015
كانون الثاني 2015
كانون الأول 2014
تشرين الثاني 2014
تشرين الأول 2014
أيلول 2014
آب 2014
تموز 2014
حزيران 2014
أيار 2014
نيسان 2014
آذار 2014
شباط 2014
كانون الثاني 2014
كانون الأول 2013
تشرين الثاني 2013
تشرين الأول 2013
أيلول 2013
آب 2013
تموز 2013
حزيران 2013
أيار 2013
نيسان 2013
آذار 2013
شباط 2013
كانون الثاني 2013
كانون الأول 2012
تشرين الثاني 2012
تشرين الأول 2012
أيلول 2012
آب 2012
تموز 2012
حزيران 2012
أيار 2012
نيسان 2012
آذار 2012
شباط 2012
كانون الثاني 2012
كانون الأول 2011
تشرين الثاني 2011
تشرين الأول 2011
أيلول 2011
آب 2011
تموز 2011
حزيران 2011
أيار 2011
نيسان 2011
آذار 2011
شباط 2011
كانون الثاني 2011
كانون الأول 2010
تشرين الثاني 2010
تشرين الأول 2010
أيلول 2010
آب 2010
تموز 2010
حزيران 2010
أيار 2010
حـول الموقع
مـن نحــن
اتصــل بنــا
شروط الاستخــدام
تطبيقـات
فلسطيــن على فايسبـــوك
فلسطيــن على تويتــر
مواقع أخـرى
جريــدة الســـفير
الــسفير العـــربي
شبـــاب الســــفير
المركز العربي للمعلومات
جميــع الحقـــوق محفوظـــة © 2021 السفــيــر