الرئيسية
المقاومة
الحياة الإجتماعية
الشتات
إقتصاد وسياسة
الثقافة
إسرائيل
X
كل الكلمات
أي كلمة
الكاتب
من تاريخ
إلى تاريخ
حزامة حبايب: فن الاعتراف
لوحة للفنان الفلسطيني نبيل عناني
محمود شريح
|
تشرين الأول 2012
تبوح الروائية الفلسطينية حزامة حبايب في روايتها «قبل أن تنام الملكة» (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2011)، بمكنونات صدرها وتكشف عن هواجس روحها بما يشبه الاعترافات. وهو نمط كتابة دخيل علينا فنحن لا نبوح ولا نعترف، لكن حبايب تبرع في أسلوب وعي مسترسل يرصد تحركها وتحرّقها في آن.
بعد شطط واستطراد أشبه بغيوم شحوط بنجمة في ليل دامس تمسك الروائية بيد القارئ لتهديه إلى ما يجول في خاطرها، فتشع النجمة، وإذا الأمور أوضح، ففي الصيف كانت تحل مع ربعها ضيفة، كلاجئين من الكويت أكثر رفاهية من لاجئي الأردن، على أقارب، لكن أحبّ البيوت إليها كان بيت خالتها رحمة في جبل التاج في عمّان، الملحق به حديقة صغيرة طرّزتها بمعرّشة عنب وأشجار تين وليمون وتفاح وأحواض نعناع وبندورة وورود من النوع البري الذي ينبت دونما جهد.
ثم تكشف حبايب أكثر فأكثر عن المستور، فالراوية تحدثها عن كرم أبيها الذي أوشك أن يهز عماد بيتهم: كان كهربائياً في دائرة صيانة مباني وزارة الصحة الكويتية، لكن راتبه لم يزد باطراد يتناسب وزيادة أفراد عائلته، فباعت الأم مصاغها ما ساعد الأب على مشاركة زميل له في الدائرة في فتح محل صغير في حولّي في العاصمة الكويتية لتصليح الأجهزة الكهربائية من تلفزيونات وثلاجات ومسجلات ثم أجهزة فيديو.
الملامح الطبقية
على هذا النحو تتضح رويداً في سير الرواية الملامح الطبقية للاجئي فلسطين في الشتات، على نهج ما شرّعه كنفاني منذ نصف قرن، فدخل الأب من محله لم يُدخل فرقاً جوهرياً على حياة عائلته، فكان على الرغم من ذلك، يرسل بين وقت وآخر مبلغاً لأخيه أبو تيسير الذي تنقل بين كل محال بيع الخضار في مخيم الوحدات في عمّان. أزمة أبيها أن الدينار لم يعد يشتري اليوم ما كان يشتريه البارحة. حتى الآن كل ما في الرواية شرح مبسط لرأسمال ماركس باللكنة الفلسطينية النازحة إلى الخليج:
«أبي لا يعرف أننا نكبر بسرعة، وأن قمصاننا وبنطلوناتنا وفساتيننا وأحذيتنا، وحتى ملابسنا الداخلية، التي نتوارثها، تتقلّص على أصغرنا قبل أكبرنا، وإذا ما اتسع ثقب في الجاكيت أو استطال فرط في البنطلون، فذلك لأن كيمياءنا تمارس هي الأخرى تبدلها وتقلّب أمزجتها، فكيف لأبي أن يقدّر أو يستوعب الحقيقة أن أجسامنا الشرهة تأكل ملابسنا».
«إكسري راسها»
ثم تعرّف الراوية أكثر عن نفسها: هي ابنة أبيها الحائر وابنة أمها المتحاذقة على حيرة أبيها. ولما شبّت ودرست وحازت الشهادة كانت معلمة في الكويت ثم في الأردن، فاكتشفت أن المدرسة تشكل تربية قهرية امتداداً لتربية البيت، فقالت لها أمهات الطالبات ما معناه «إكسري راسها»، و«ادعسي على بطنها»، مع أني كنت أسمع في صفوف لاجئي فلسطين في لبنان «ادعسي في بطنها»، ولكن يبدو لجغرافيا النزوح أثر في موقع حرف الجر في الكسر والدعس. ثم كان مما لا بد منه بد فاستدعتها مديرة المدرسة وقالت لها:
ممكن أرفع كتاب لمديرية التربية أشرح فيه إنك «بتتعمّدي تغيبي عن طابور الصباح علشان تتهربي من تحية العلم».
فإلى رسم صورة الحياة في الكويت: امتداد للحياة التي كان يمكن أن تكونها في المخيم، فحي «النقرة» هناك أشبه بمخيم، شقة الراوية لم تكن تختلف في تفاصيلها كثيراً عن بيت عمها أبو تيسير في مخيم الوحدات، ففي كلا البيتين هناك الصورة إياها لعمها محمود الذي استشهد في معركة الكرامة، كما توجد ساعة الحائط المجانية نفسها تقريباً التي تأتي دعاية مع أحد منتجات «نستلة»، وهناك تنكات زيت زيتون وماكنة «سنجر» للخياطة، ولكن بفارق واحد:
«هو أنه لما كان عمي أبو تيسير في مخيم الوحدات يلثغ بحرفي السين والصاد، فينطقهما ثاءً، فإن عضو أخت الزعيم أو أمه على لسان عمي أبو تيسير لم يكن هو ذاته تماماً على لسان أبي».
الحرب والتدين
إلى تبدل الحياة في الكويت، شقيقات الراوية تحجّبنَ في سني انبثاقة الجسد الشقي، ثم انتقلت عدوى الستر الإلزامي إلى الجارات، فإلى شقة جديدة، لنكتشف في صباح الغزو العراقي للكويت، بينما الطريق إلى العراق نائمة، والمنظر واضح وعارٍ من أي زينة وتكلف، ان البنية الاجتماعية في الشتات متفسخة مترهلة، ثم إلى البصرة فبغداد حيث الفندق فالاغتسال، ثم السفر براً إلى عمّان؛ شقاء بشقاء ونزوح جديد. الإقامة في بيت جدتها رضيّة في الجبل الأبيض بالزرقاء، ثم الانصراف إلى تدريس مخضرمي الرسوب، لكن الفلوس في الأردن كانت تنفد أسرع بما لا يقاس من نفادها في الكويت، فكان الطعام تتخاطفه الأيدي والأفواه بتهافت أكبر على الحياة رغم شح العيش. ثم كانت الحرب الأميركية القاصمة. تحررت الكويت وظل أبوها فيها، ما ساهم في رتق أيام الزرقاء.
فالحب، حيث الحياة تعاش أقل قهراً، «لأن الحب هو بيّنات الحياة وآياتها حتى وإن توعدتنا بعذاب أليم مستفيض، وآلت ألا يُنال المراد وألا يُجاب المبتغى». في الجامعة كانت تجلّ أستاذها إياس ثم كانت لقاءات في كافتيريا الجامعة وليلاً في سيارة «بيت العشق المتحرك»، فإلى تعرّفها على زميله أحمد فتزوّجته، لكن الليلة الأولى لزواجهما باءت بفشل الجماع. وفي الليلة السادسة لم يطق أحمد أن يحتمل أكثر، فصفعها تمهيداً للنيل منها. صدّته لكنه اخترقها عنوة فتمزقت روحها. رن جرس التلفون وهي مبعثرة تلمّ شتاتها:
رفعت السماعة اللحوح. كانت أمي تسألني بصوت توشّى بالترقب والتوجس: «ها! طمنيني؟!» كل شيء بخير، قلت لها. أنا الآن امرأة.
فالنقلة إلى دبي حيث لقاء جديد مع وليد الذي ظل لسنوات يبيع في الصباح خبز الكعك بالسمسم زمن عطفها عليها وهي مدرسة في الزرقاء، وفي النهاية أصبح مهندساً في مسقط يزورها في دبي، حيث هي الآن مدرسة، تتمتع ببحبوحة عيش نسبياً. وإلى دبي يصل ذات يوم طارق ابن إياس وقد عبر الثلاثين وفي يده مخطوط مسرحية لوالده مهداة بخطه إلى جهاد نعيم الراوية بحرف اسمها الأول «ج». ها هو المخطوط في درج وطنها الشخصي في المنفى؛ في غرفتها المطلة على الخليج تستلقي على سريرها، تفرد جناحيها فوقها، لحافاً وافياً دافئاً وترتخي مستسلمة للنعاس.
أجرأ الروايات
على هذا النحو تقفل حزامة حبايب روايتها «قبل أن تنام الملكة»، ولعلها أجرأ رواية فلسطينية تخطها امرأة تصف بتحد وعناد وصراحة ودون لف ودوران ما يصيب الأنثى في مهب النزوح من شقاء، تمكنت حبايب من رصده بنفس ساخر يستفيد من فلسفة تشاؤل شيخ روائيي فلسطين إميل حبيبي ومن صلابة كنفاني في حبه عبارة «خيمة عن خيمة تفرق»، فحتى في المنفى شقة عن شقة تفرق، لكن حبايب في جرأة غير اعتيادية تطرح مسألة الجنس عارية على طاولة النقاش فتتخطى المحرمات وتقفز على المحظور بعبارة أنيقة موغلة في علم النفس وسباقة إلى البوح من دون خجل أو وجل، فاحتلت موقعاً متقدماً في أدب فلسطين الحديث.
Tweet
إقــرأ أيضــا مــن: عدد
تشرين الأول 2012
الاختراق الأميركي للعقل الأكاديمي...
سميح حمّودة
أيلول وولادة الاحتجاج الاجتماعي
 
Please enable JavaScript to view the
comments powered by Disqus.
comments powered by
Disqus
إقرأ للكاتب نفسه
لقاء محمود درويش ـ إيفانا مرشليان: ...
آذار 2014
كارل صبّاغ فلسطين: تاريخ شخصي
شباط 2014
آفي شلايم: مؤرخو ما بعد الصهيونية
شباط 2014
«مجانين بيت لحم»
كانون الثاني 2014
عصام سخنيني في «الجريمة المقدّسة»
تشرين الأول 2013
الأكثر قراءة
في الملحق
في الموقع
بصمت، إسرائيل تنفذ مشروع E1: لا دولتين ...
عبد الرؤوف أرناؤوط - آذار 2016
"السفير" تحاور عمر البرغوثي "المقاطعة" ...
عماد الرجبي - آذار 2016
عن فتية السكاكين والصبايا المنذورات ...
طلال سلمان - آذار 2016
ما زالت الروزنامة تتسع لمناسباتٍ جديدة
خالد فرّاج - آذار 2016
"عمر" يتسبّب بفصل المربّي علي مواسي: ...
رشا حلوة - آذار 2016
الأكثر مشاركة
في الملحق
في الموقع
كيف سقطت يافا؟ قصّةٌ تروى!
أنس أبو عرقوب - أيار 2016
بصمت، إسرائيل تنفذ مشروع E1: لا دولتين...
عبد الرؤوف أرناؤوط - آذار 2016
عن فتية السكاكين والصبايا المنذورات...
طلال سلمان - آذار 2016
"السفير" تحاور عمر البرغوثي "المقاطعة"...
عماد الرجبي - آذار 2016
المشروع الوطني الفلسطيني: أزمة الرؤية...
رازي نابلسي - آذار 2016
إخترنا لكم
رحلة عبّود من غزّة إلى تركيا
طه يونس - آذار 2016
عن فتية السكاكين والصبايا المنذورات...
طلال سلمان - آذار 2016
ما زالت الروزنامة تتسع لمناسباتٍ جديدة
خالد فرّاج - آذار 2016
السياق لاغتيال عمر النايف: التوقيت،...
أنس أبو عرقوب - آذار 2016
ملوك حقبة الحصار: أغنياء اليوم في...
صلاح أبوحنيدق - آذار 2016
الأرشـيف
بحسب
التوزيع الجعرافي
:
فلسطين،
العالم،
غــزّة،
الضفة الغربية،
أراضي 48،
لبنان،
حيفا،
القدس،
رام الله،
نابلس،
بريطانيا،
كنــدا،
المغرب،
أميركا،
سوريا،
الأردن،
عكّـا،
المزيد ...
بحسب
المواضيع
:
المقاومة،
إسرائيل،
الثقافة،
الحياة الاجتماعية،
الأسرى،
المقاطعة،
إقتصاد وسياسة،
الشتات،
المخيمات،
سياسة،
المزيد ...
بحسب
الأعــداد
:
آذار 2016
شباط 2016
كانون الثاني 2016
كانون الاول 2015
تشرين الثاني 2015
أكتوبر 2015
أيلول 2015
آب 2015
تموز 2015
حزيران 2015
أيار 2015
نيسان 2015
آذار 2015
شباط 2015
كانون الثاني 2015
كانون الأول 2014
تشرين الثاني 2014
تشرين الأول 2014
أيلول 2014
آب 2014
تموز 2014
حزيران 2014
أيار 2014
نيسان 2014
آذار 2014
شباط 2014
كانون الثاني 2014
كانون الأول 2013
تشرين الثاني 2013
تشرين الأول 2013
أيلول 2013
آب 2013
تموز 2013
حزيران 2013
أيار 2013
نيسان 2013
آذار 2013
شباط 2013
كانون الثاني 2013
كانون الأول 2012
تشرين الثاني 2012
تشرين الأول 2012
أيلول 2012
آب 2012
تموز 2012
حزيران 2012
أيار 2012
نيسان 2012
آذار 2012
شباط 2012
كانون الثاني 2012
كانون الأول 2011
تشرين الثاني 2011
تشرين الأول 2011
أيلول 2011
آب 2011
تموز 2011
حزيران 2011
أيار 2011
نيسان 2011
آذار 2011
شباط 2011
كانون الثاني 2011
كانون الأول 2010
تشرين الثاني 2010
تشرين الأول 2010
أيلول 2010
آب 2010
تموز 2010
حزيران 2010
أيار 2010
حـول الموقع
مـن نحــن
اتصــل بنــا
شروط الاستخــدام
تطبيقـات
فلسطيــن على فايسبـــوك
فلسطيــن على تويتــر
مواقع أخـرى
جريــدة الســـفير
الــسفير العـــربي
شبـــاب الســــفير
المركز العربي للمعلومات
جميــع الحقـــوق محفوظـــة © 2019 السفــيــر