الرئيسية
المقاومة
الحياة الإجتماعية
الشتات
إقتصاد وسياسة
الثقافة
إسرائيل
X
كل الكلمات
أي كلمة
الكاتب
من تاريخ
إلى تاريخ
الذاكـرة القريبــة
سلمان ناطور
|
تشرين الأول 2011
البروة
ينظر الشيخ إلى الشرق.. تتطاير خصلة من شعره تغطي جبهته التي تلمع في الشمس.. يجلس، ينظر إلى الغرب.. الشمال، القبل..
ـ هنا قتلوا رضوان السكس..
كانت البروة محتلة، تركوا فيها 50 شخصا كلهم من العجز، حشرهم الجيش في الكنيسة وأقام حولهم الحواجز.. «رضوان.. ألله يرحمه.. كان يتمشى في الليل.. رجل عاجز في الستينيات من عمره، قتلوه بدم بارد.. وتركوا جثته ورا الكنيسة..».
وظل الباقون في الكنيسة ينتظرون «ساعة الفرج» من «جيش الانقاذ» الذي قيل انه يسيطر على مرتفعات الليات، لكن مضى اليوم الاول.. والثاني والثالث.. وشمس حزيران تلسع سنابل القمح التي تنتظر مناجل الفلاحين قبل «ان تصل حصادات اليهود وتحصد الغلة كلها».
مضى اسبوع.. ولم يصل أحد.. هجمت آلات الحصاد من اوروبا وأميركا.. ولم تترك حتى سنبلة واحدة ليداعبها النسيم الحامل انفاس الفلاحين الذين تجمعوا تحت اشجار الزيتون، على الطريق بين مجد الكروم والبعنة.
الخوري
يطلق الشيخ المشقق الوجه زفرة من اعماقه.. يمسح العرق الذي يتصبب عن جبينه.
بعد ان قطع الطريق الوعرية عبر مرتفعات الليات.. تذكر ذلك اليوم التموزي القائظ حين وصلت خبريه بأن خوري البروة قتل في الكنيسة.. كان ذلك يعني ان كل الختيارية الذين ظلوا في الكنيسة.. قتلوا مع الخوري. حمل «الناطور» وتوجه مع ابناء الخوري إلى قمة مرتفع وأخذوا ينظرون إلى القرية حتى إذا ما ظهر شبح الخوري بين البيوت المهجورة ووسط تحركات الجنود المدججين بالسلاح، ايقن ان القرية ما زالت بخير، على الأقل بيوتها، ومن بقي فيها انتظر الفرج او حلول الساعة، ولم يطمئنهم في تلك اللحظة ان وصل القاوقجي ومعه اربعة ضباط بنجمتين او ثلاث نجمات.. وتطلع في «الناظور» وأمعن النظر وقال: تحرير البلد لا يكلفني سوى شهيدين ولا اكثر.. خلال ثلاثة ايام تصل المدافع المصفحات ونحررها ومنها نحرر المكر والجديدة وعكا..
«والله ما صدقنا هالحكي.. كنا نعرف قوة جيش الإنقاذ.. لا هم إنقاذ ولا هم جيش منظم.. هالحكي اللي بيحكوه اليوم عن سبع جيوش عربية كله دعاية بدعاية.. لا سبع جيوش ولا سبع فرق.. صوروا الحرب كأنها طوشه عمومية او بين عائلتين.. كنا نعرف هالحقيقة المرة.. اجتمعنا وقررنا أن نحرر بلدنا بأنفسنا.. وخصوصا بعدما انتظرنا 3 أيام وأربعة وخمسة وأسبوع.. وما وصلت مجنزرات ولا مصفحات.. بعدما يئسنا تجمعنا ورحنا طريق الوعر وهجمنا على القرية بقيادة شاب من شعب اسمه أبو اسعاف.. واجهنا مقاومة عنيفة.. لكن إرادتنا كانت قوية.. وتمكنا نحرر بلدنا.. سقط منا شهيد و3 جرحى..
كان يوم عرس في حياتنا.. وكان درس تعلمناه: هالأرض ما يحررها الا أصحابها.. لا ملوك ولا خواجات.. ولا الشعارات الرنانة.. يومها وقف خوري البروة وقال للناس:
ـ يا أهل بلدنا، يا حبايبنا، الوقت مش وقت أغاني وزغاريد، رايحين يهجموا مرة ثانية ويحتلوا البلد.. خذوا حذركم..
عازار
كان ذلك فجر يوم خريفي في أواخر اكتوبر.. الاضواء معتمة تماما.. وخيوط الفجر شقت طريقها إلى الزوايا المظلمة ببطء لكن رافقتها نسمة باردة لسعت الوجوه الساهرة وهي تنتظر الفرج او قدوم الساعة.. كان آخر جندي انقاذ «هالله... هالله».. قد غادر بدون سلام ولا كلام.. وترك الميدان لحميدان.. وفي موقع «الروس» كانت فرقة من الجنود الإسرائيليين تستعد لمهاجمة القرية..
«عيلبون كانت على الخط الأمامي.. انقسم البطوف قسمين.. قسم في قبضة جيش إسرائيل وقسم تمركز فيه جيش الإنقاذ».. قال الشيخ المشقق الوجه الذي نتحدث عنه، دخل الجيش وأمروا الناس يتجمعوا في الحارة.. كنا ليلتها نايمين في الكنيسة.. ما انتظروا حتى نستعد للخروج.. صار الجيش يطخ على الناس عن يمين وعن شمال.. حياة عازار، ألله يرحمه، كان إنسان فقير، قوسوه لمّا كان طالع من باب الكنيسة، وبعدما ارتمى قدام الناس يفرفر زي العصفور.. تقدم منه ضابط وحط الفرد في راسه وفرغ باغه خمس.. ست رصاصات طلقة وحده.. ارعبوا الناس.. قطعوا قلوبهم.. طلبوا منهم يرفعوا ايديهم..».
عند مدخل الكنيسة توقف ثلاثة اطفال.. نظروا إلى جثة عازار الملقية على الأرض.. «مسكين يا عازار».. قال احدهم وفرش نظراته على الجثة الهامدة:
ـ كان عازار يحب الاطفال..
يوم العيد.. قلت له: صباح الخير يا عم عازار.
قال: صباح الخير يا حلو.
قلت له: كل سنه وأنت سالم.
قال: وإنت سالم يا روحي.
وأخذني إلى دكان أبو الوليد.. واشترى كيس ملبس.. وكيسين قريش:
قال: واحد لأختك نوال وواحد لأخوك جوزيف..
مسكين يا عمي عازار.. كل سنه وأنت سالم.
ـ شالوم!!
ـ لم يرد الشيخ.. قلنا: شالوم
ـ الغريب لم يلتفت إلى الشيخ.. وإن نظر إليه باستغراب لكنه نظر إلينا وكأنه يستجدي..
ـ «إفشار لهشليم ات همنيان؟».. قالها بالعبرية وابتسم كأنه يتسجدي..
ـ سألنا الشيخ: ماذا يطلب منكم؟
ـ يريدنا كمالة عدد للصلاة..
ـ لم يفهم الشيخ.. قلنا له: لكي تتم الصلاة يجب ان يكون عدد المصلين عشرة أنفار على الأقل.. وهذه مشكلة هذا الكنيس: لا يجدون في هذا الحي عشرة مصلين.
وقف الرجل الغريب ينتظر استجابتنا، حرّك الشيخ رأسه كأنه يريد ان يقول شيئا لهذا الخواجه، فهمنا ماذا أراد، وفهم هو اننا فهمنا، فلم ينبس ببنت شفة، ثم قال لنا: قولوا له انصرف.. وظل يحدق بجدران الجامع المنتصبة بحجارتها الحمراء.. وتابع السير وتابعناه إلى جانبه..
ميشيل
حين يحدث عن تلك الايام، يرسم خارطة لمدينة تدعى يافا، من مستشفى الكرنتينا ومبنى إذاعة الشرق الادنى.. وحتى شارع السكسك.. والسوق.. سوق الدير.. وشارع «بسترس».. وسوق الصلايمي.. وسوق البلابسه.. واللحامين.. حتى شارع جمال باشا.. يسأل: أين هذا الزقاق، وأين سوق كذا.. وسوق كذا.. تقول له: اليوم يسمى «يافت».. يضحك.. وذاك يسمى «كيدم».. يضحك.. وهذا شارع «شيشيم».. يضحك.. يضحك.. تركها تغص بالناس.. بالحياة.. تنزل البضاعة في محطة المنشية.. سيتهافتون عليها.. تنزل في الميناء.. يختطفونها.. «احسينا بالخطر من سنة السته وثلاثين، أعلنا الاضراب ستة اشهر، بريطانيا انتهزت الفرصة وصارت تبني مينا تل أبيب، مينا يافا للعرب يصدروا بضاعة ويستوردوا بضاعة، ومينا تل أبيب لليهود ليستوردوا اسلحة، وناس يظبوهم من كل بلاد العالم ليستلموا هالبلاد.. لعبوا اللعبة وإحنا مش عارفين كيف المي بتجري من تحتنا.. كان في بلدنا ضابط انكليزي يعرف كل أهل البلد، قلنا له مره ولك يامستر اليهود اللي يتجيبوهم رايحين يستولوا على اراضينا، ابن الحرام كان يعرف يحكي لغتنا أحسن مني ومنك، قال لي: ليش خايفين، انتم بتسموهم اولاد الميته، شايفينهم مقطعين موصلين ولا شعب في العالم قادر يحميهم.. وكان يبتسم.. ويضحك علينا بلغتنا.. معنا يحكي حكي زي العسل وللجماعة يقدم كل خدمه.. ويمهد لهم الأرض.. ومن ثورة السته وثلاثين صاروا يصفوا بالقيادة الوطنية.. وينفخوا في بطون وعقول القيادة الرجعية ويغطوا على جرايمها.. المرحوم ميشيل متري.. كان قائد عمال ما في اثبت منه.. قتله عميل في مركز نقابة العمال العرب.. الناس كلها اشتبهت يومها بإقطاعي من المثلث.. كان يتعاون مع الانكليز.. وعلشان هيك غطوا على الجريمة.. بس يا عمي المجرم ما بيسلم.. لا من صاحب الحق ولا من صاحب الباطل.. لو تعرف أيش صار فيه.. في سنة الاحتلال استولى الجيش على أراضيه.. جابوه ليافا قال بحجة المحافظة على سلامته وحياته خوف من الانتقام.. ووعدوه بأن يرجعوه على أراضيه بعدما يهدأ الوضع.. لكن قتله جيش إسرائيل هون في يافا.. تخلصوا منه وأخذوا كل شبر من أرضه.. كل الناس يومها شمتت فيه.. ألله لا يرده.
وعلى قبر ميشيل متري، في المقبرة الارثوذكسية، كانت تشمخ صورة له نصبت منذ ان دفن. في بطن هذه الأرض المقدسة، «أيام الحرب» «الخواجات» كانوا يتخيلوها زلمه في المقبرة فصاروا يقوسوا عليها من مصنع البيرة حتى خزقوها، وهدموا القبر، يمكن يا عمي بدهمش يتركوا أي ذكر لأي وطني في هالبلاد..».
سلمان ناطور كاتب وناقد وأديب من أراضي 1948.
Tweet
إقــرأ أيضــا مــن: عدد
تشرين الأول 2011
الهجــرات المؤلمــة
حنا عيسى
تهجير الروح القدس
طلال سلمان
Please enable JavaScript to view the
comments powered by Disqus.
comments powered by
Disqus
إقرأ للكاتب نفسه
أبو العبد يغازل مدام مندلوفيتش
شباط 2013
عباس الفران
أيار 2012
حنظـلة وخمّــارة البلــد
شباط 2012
ذاكرة
كانون الثاني 2011
رحلـة الصحــراء
كانون الأول 2010
الأكثر قراءة
في الملحق
في الموقع
بصمت، إسرائيل تنفذ مشروع E1: لا دولتين ...
عبد الرؤوف أرناؤوط - آذار 2016
عن فتية السكاكين والصبايا المنذورات ...
طلال سلمان - آذار 2016
"السفير" تحاور عمر البرغوثي "المقاطعة" ...
عماد الرجبي - آذار 2016
ما زالت الروزنامة تتسع لمناسباتٍ جديدة
خالد فرّاج - آذار 2016
"عمر" يتسبّب بفصل المربّي علي مواسي: ...
رشا حلوة - آذار 2016
الأكثر مشاركة
في الملحق
في الموقع
كيف سقطت يافا؟ قصّةٌ تروى!
أنس أبو عرقوب - أيار 2016
بصمت، إسرائيل تنفذ مشروع E1: لا دولتين...
عبد الرؤوف أرناؤوط - آذار 2016
عن فتية السكاكين والصبايا المنذورات...
طلال سلمان - آذار 2016
"السفير" تحاور عمر البرغوثي "المقاطعة"...
عماد الرجبي - آذار 2016
المشروع الوطني الفلسطيني: أزمة الرؤية...
رازي نابلسي - آذار 2016
إخترنا لكم
كلّ عام ونساء فلسطين بخير
إعداد: المتحف الفلسطينيّ - آذار 2016
"السفير" تحاور عمر البرغوثي "المقاطعة"...
عماد الرجبي - آذار 2016
السياق لاغتيال عمر النايف: التوقيت،...
أنس أبو عرقوب - آذار 2016
رحلة عبّود من غزّة إلى تركيا
طه يونس - آذار 2016
نشرة آذار - 2016
ملاك خليل - آذار 2016
الأرشـيف
بحسب
التوزيع الجعرافي
:
فلسطين،
العالم،
غــزّة،
الضفة الغربية،
أراضي 48،
لبنان،
حيفا،
القدس،
رام الله،
نابلس،
بريطانيا،
كنــدا،
المغرب،
أميركا،
سوريا،
الأردن،
عكّـا،
المزيد ...
بحسب
المواضيع
:
المقاومة،
إسرائيل،
الثقافة،
الحياة الاجتماعية،
الأسرى،
المقاطعة،
إقتصاد وسياسة،
الشتات،
المخيمات،
سياسة،
المزيد ...
بحسب
الأعــداد
:
آذار 2016
شباط 2016
كانون الثاني 2016
كانون الاول 2015
تشرين الثاني 2015
أكتوبر 2015
أيلول 2015
آب 2015
تموز 2015
حزيران 2015
أيار 2015
نيسان 2015
آذار 2015
شباط 2015
كانون الثاني 2015
كانون الأول 2014
تشرين الثاني 2014
تشرين الأول 2014
أيلول 2014
آب 2014
تموز 2014
حزيران 2014
أيار 2014
نيسان 2014
آذار 2014
شباط 2014
كانون الثاني 2014
كانون الأول 2013
تشرين الثاني 2013
تشرين الأول 2013
أيلول 2013
آب 2013
تموز 2013
حزيران 2013
أيار 2013
نيسان 2013
آذار 2013
شباط 2013
كانون الثاني 2013
كانون الأول 2012
تشرين الثاني 2012
تشرين الأول 2012
أيلول 2012
آب 2012
تموز 2012
حزيران 2012
أيار 2012
نيسان 2012
آذار 2012
شباط 2012
كانون الثاني 2012
كانون الأول 2011
تشرين الثاني 2011
تشرين الأول 2011
أيلول 2011
آب 2011
تموز 2011
حزيران 2011
أيار 2011
نيسان 2011
آذار 2011
شباط 2011
كانون الثاني 2011
كانون الأول 2010
تشرين الثاني 2010
تشرين الأول 2010
أيلول 2010
آب 2010
تموز 2010
حزيران 2010
أيار 2010
حـول الموقع
مـن نحــن
اتصــل بنــا
شروط الاستخــدام
تطبيقـات
فلسطيــن على فايسبـــوك
فلسطيــن على تويتــر
مواقع أخـرى
جريــدة الســـفير
الــسفير العـــربي
شبـــاب الســــفير
المركز العربي للمعلومات
جميــع الحقـــوق محفوظـــة © 2021 السفــيــر